فكل ما جاءه عن الله ورسوله فليقابله بالتسليم والانقياد والإذعان، وهذا هو منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الكرام الذين هم أعلم وأذكى وأفهم الناس، فيجب أن يكون حال من بعدهم هو أكثر انقياداً وإذعاناً للنصوص.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه فيصدق بأنه حق وصدق وما سواه من كلام سائر النَّاس يعرضه عليه].
يقول: إذا جاءك الكلام من النَّاس الآخرين، ابتداءً من صحابة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم أفضل النَّاس ثُمَّ العلماء ثُمَّ من بعدهم إِلَى أن نصل إِلَى أهل البدع والضلال، كل من جاءنا بقول نعرضه عَلَى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل مردود لا يؤخذ به.

[وإن لم يُعلم] أي جاءك قول لا تدري أهو موافق للكتاب والسنة أو مخالف؟
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [وإن لم يعلم هل خالفه أو وافقه يكون ذلك الكلام مجملاً لا يعرف مراد صاحبه] قد يكون السبب أن هذا الكلام مجملاً، مثل: كلمة الجهة كلمة مجملة تحتمل حقاً وباطلاً، ونفي الجسم كلام مجمل قد يحتمل الحق وقد يحتمل الباطل، وغير ذلك في باب الصفات وغيره، ففي هذا الكلام المجمل ينظر في مراد صاحبه هل يريد جانب الحق أو الجانب الآخر.
كما كَانَ يدلس بعض المعتزلة ويقول: فلان ليس بمؤمن، فما ذا يقصد بها؟
إن قصد بها أنه مسلم لكنه عاصٍ فاسق فاجر فهو محق، وإن قصد أنه ليس بمسلم بل كافر خارج عن الملة لمجرد أنه أذنب ذنباً من الذنوب، عرفنا أن هذا من أباطيل الخوارج ومن شايعهم، فالكلام المجمل إن لم نعرف مراد صاحبه فإنه يتوقف فيه ويمسك عنه، ونقول: إن احتمل كذا كَانَ كذا، وإن احتمل كذا كَانَ كذا، وإن عرفنا مراده ولم يكن الكلام مجملاً بل كَانَ كلامه واضحاً، لكن لا ندري هل هذا الكلام مما جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وهل يدل عليه دليل من الكتاب والسنة؟ أم لا؟
وهل هو حق أم باطل؟
وهذا الأمر صعب ولا يعرف ذلك إلا العلماء وبعد البحث والتنقيب أحياناً.
فالخلاصة أنه إذا عرفنا مراد المتكلم ولم نعرف هل الرَّسُول جَاءَ بتصديقه أو بتكذيبه، فإن الإِنسَان يمسك عنه ويتركه ولا يتكلم فيه إلا بعلم وهذا كثير، فقد تأتي أخبار أو نظريات علمية، فلا ندري أفي كتاب الله ما يوافقها أو يخالفها؟! فالموقف من هذه الإمساك عنها، وعدم إشاعتها بين الناس، وعدم الخوض فيها وألا نجهد أنفسنا، ولا نجهد النَّاس في معرفتها وفي الاستدلال لها أو عليها، فضلاً عن أن نتفرق، فهذا ينفي وهذا يعارض وهذا يؤيد، وما أكثر ما يحدث وخاصة في أمثال هذه الأمور في هذا الزمان.